الملكية الفكرية والذكاء الاصطناعي

الملكية الفكرية والذكاء الاصطناعي

يقوم نظام الملكية الفكرية على مبدأ المكافأة للإبداع والجهد الذي يقدمه الإنسان في صورة أفكار مبتكرة تتمثل في منتجات جديدة وطرق جديدة للقيام بالأعمال اليومية مثل الابتكارات التقنية والتصاميم الجذابة، والعلامات التجارية المميزة، والأعمال الموسيقية والسينمائية والمسرحية والأغاني واللوحات والمنحوتات والبرمجيات الحاسوبية. لكن هذا النظام على وشك أن يتغير جذرياً مع ظهور الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المختلفة التي ستغير الكثير من المفاهيم وعلى رأسها مفهوم الإبداع والابتكار و طرق التعامل مع المنتجات الابتكارية والإبداعية.

إن الذكاء الاصطناعي هو تخصص في علم الحاسوب يهدف إلى تطوير آلات وأنظمة بإمكانها أن تؤدي مهاماً يُنظر إليها على أنها تتطلب ذكاء بشرياً، سواء كان ذلك بتدخل بشري محدود أو حتى بدون تدخل بشري وذلك بالاعتماد على التعلّم الآلي والتعلّم العميق.
حتى سنوات قليلة ظلت تكنولوجيا الحاسوب كأدوات تساعد المبدعين والمبتكرين في تقديم منتجات ابتكارية، كما ساعدت المستخدمين العاديين على توفير الجهد في أعمالهم اليومية. أي أن تكنولوجيا الحاسوب لم تكن أكثر من أدوات لتحسين الابتكارات واختصار لوقت إنجاز المهام. ولكن مع ظهور الذكاء الاصطناعي تغيرت وظيفة تكنولوجيا الحاسوب لتصبح مُولدة للابتكارات التي يمكن لأي مستخدم عادي أن يقوم بكتابة أوامر لتلك البرامج بغرض توليد نصوص وتصاميم وصور وفيديوهات جديدة ومبهرة في كثير من الأحيان، وهنا برز التحدي الأكبر أمام القائمين على تطبيق نظام الملكية الفكرية وهو كيفية تحديد ملكية تلك الابتكارات والأعمال الإبداعية التي لم يبذل المستخدم أدنى جهد في توليدها سوى كتابة بضع كلمات في مربع البحث الخاص ببرنامج الذكاء الاصطناعي!
وفي ظل غياب التشريعات التي تنظم ملكية المنتجات الإبداعية والابتكارية التي يولدها الذكاء الاصطناعي، ظهرت محاولات في شكل سوابق قضائية وأحكام إدارية تخص تحديد ملكية المنتجات الفكرية الناتجة عن الذكاء الاصطناعي، فذهب فريق إلى أن مصمم برنامج الذكاء الاصطناعي هو من يملك الحقوق في جميع المنتجات التي يولدها البرنامج، بينما ذهب آخرون إلى أن المصمم/المبرمج يملك الحقوق الفكرية في البرنامج نفسه فقط ولا يملك ما ينتجه ذلك البرنامج، وهناك فريق يدعو إلى نسبة ملكية منتج الذكاء الاصطناعي إلى المستخدم الذي أعطى أمر توليده وليس لمصمم البرنامج، وذهب آخرون إلى أن ملكية تلك المنتجات يجب أن تعود لبرنامج الذكاء الاصطناعي نفسه! كما ظهرت أحكام تمنع منح أي حقوق في منتجات الذكاء الاصطناعي لأي طرف وتؤكد على أن حقوق الملكية الفكرية لا يمكن منحها إلا للإنسان فقط وليس للبرامج الجامدة التي لا تستفيد من الحقوق المادية أو المعنوية التي يمنحها نظام الملكية الفكرية.
في الأسطر القادمة سنتناول أبرز الجوانب التي سيتفاعل فيها نظام الملكية الفكرية مع الذكاء الاصطناعي:

أولاً:

التشريعات وإنفاذ حقوق الملكية الفكرية برزت الحاجة الملحة لتطوير الاتفاقيات الدولية الخاصة بالملكية الفكرية وصياغة اتفاقيات جديدة تتناول التحديات التي طرحها الذكاء الاصطناعي وذلك لضمان عدم حدوث ارتباك وتناقض في الأحكام الإدارية والقضائية في مختلف بلدان العالم. وفي هذا الاتجاه بدأت المنظمة العالمية للملكية الفكرية (ويبو) في عقد جلسات حوارية مفتوحة تهدف إلى تزويد أصحاب المصلحة بإطار عالمي رائد لمناقشة تأثير التكنولوجيات الرائدة بما في ذلك الذكاء الاصطناعي على حقوق الملكية الفكرية وقد عقدت 7 جلسات في هذا المنتدى العالمي وصدرت وثيقة مهمة بعنوان: (الصيغة المنقحة لقائمة قضايا سياسات الملكية الفكرية والذكاء الاصطناعي) في مايو 2020 كدليل استرشادي عالمي للأنظمة الإدارية والقضائية المعنية بمنح وإنفاذ حقوق الملكية الفكرية في مختلف دول العالم، ومن المتوقع أن تكون هذه الوثيقة هي النواة الأساسية لتطوير وتحديث الاتفاقيات العالمية الخاصة بالملكية الفكرية.

ثانياً:

استخدام الذكاء الاصطناعي في تحديد درجة الأصالة في المنتجات الابتكارية ومكافحة التقليد والتزوير
ستكون برامج الذكاء الاصطناعي نفسها جزءاً من الحل أيضاً وذلك من خلال استخدامها في الفحص الموضوعي لطلبات تسجيل العلامات التجارية وبراءات الاختراع والنماذج الصناعية حيث سيكون من السهل على الفاحص تحديد مقدار الأصالة في المنتجات الإبداعية والابتكارية، كما ستسهل تلك البرامج على متخذي القرارات الإدارية والقضائية تحديد الانتهاكات واتخاذ القرارات في النزاعات الناشئة عن منح حقوق الملكية الفكرية ،الأمر الذي سيحد من التقليد والتزوير للمنتجات الأصلية.

ثالثاً: الأصالة والميزة التنافسية

سيقود الاستخدام الواسع لبرامج الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية إلى بروز موجة ارتداد إلى الأصالة والإبداع الإنساني، وستتعزز تلك الموجة مع ظهور أخطاء الذكاء الاصطناعي وقصوره في تقديم حلول للمشكلات المعقدة، وهذا ما سيدفع بعض الشركات إلى تبني الأصالة في تقديم منتجاتها وبناء ميزتها التنافسية على أساس تقديم منتجات يطورها أناس حقيقيون، وفي اعتقادي، ستظهر عبارات مثل (تم إعداده من قبل إنسانPrepared by Human ) و(الخدمة مقدمة من قبل أناس حقيقيين The Service is Presented by Humans ) عند الترويج لمنتجات طُورت خارج برامج الذكاء الاصطناعي.

رابعاً: أخلاقيات الأعمال

مع الاستخدام المفرط لأدوات الذكاء الاصطناعي في الأعمال، فإن الشفافية والمسؤولية والمهنية ستكون على المحك، وهنا ستبرز الحاجة لتطوير آليات في عقود العمل واتفاقيات التطوير بين الشركات والموظفين والمتعاقدين لضمان الاستخدام المعقول لبرامج الذكاء الاصطناعي في تطوير وتقديم المنتجات الإبداعية والابتكارية.

ختاماً

سيعمل الذكاء الاصطناعي على إحداث تغيير جذري في قوانين الملكية الفكرية وآليات منح وإنفاذ تلك الحقوق، وسيقع العبء الأكبر على المشرعين في بناء نظام ملكية فكرية مرن وديناميكي يضمن خلق توازن بين تحفيز وتشجيع الإبداع والابتكار الإنساني ومواكبة المتغيرات والتحديات التي سيفرضها الذكاء الاصطناعي على كل جوانب الحياة الإنسانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى