هل يُسهم الذكاء الاصطناعي في الحد من أضرار الزلازل؟
هل يُسهم الذكاء الاصطناعي في الحد من أضرار الزلازل؟
تجاوزت حصيلة قتلى الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا فجر السادس من فبراير 2023، في حصيلة غير نهائية 50 ألف إنسان. فيما قدرت منظمة الصحة العالمية عدد المتضررين جراء الزلزال بنحو 23 مليون شخص.
بثينة صلاح
وتعتبر الزلازل من أخطر الكوارث الطبيعية التي يمكن أن تحدث، وتسبب خسائر بشرية ومادية كبيرة. لذلك، تهتم العديد من الحكومات والمؤسسات بتطوير تقنيات للحد من الأضرار الناجمة عن هذه الظاهرة.
تقنيات التنبؤ بالزلازل
يمكن التنبؤ بحدوث الزلزال بشكل عام، من خلال مراقبة السلوك الحيواني غير المعتاد، وقياس التغيرات في مستوى الماء الجوفي، وضغط الزيت في آبار النفط، والتغيرات في درجة حرارة الأرض، وتسرب غاز الرادون من التشققات، وتحليل الصدمات أو الفجوات الزلزالية، واستخدام النماذج الاحتمالية بناء على البيانات التاريخية. كما يستخدم العلماء مجموعة من المؤشرات للتنبؤ بالزلازل، مثل تحركات الصفائح الأرضية والأنشطة الزلزالية السابقة في المنطقة نفسها .
بالإضافة إلى ذلك، تتضمن تقنيات التنبؤ بالزلازل العديد من الأساليب والأدوات المختلفة، مثل رصد الهزات الأرضية باستخدام أجهزة الاستشعار والمراقبة، وتحليل البيانات المتعلقة بالنشاط الزلزالي في المنطقة المعنية، وإجراء دراسات جيولوجية لفهم تكوين وخصائص قشرة الأرض في المنطقة. كما يمكن استخدام نماذج حاسوبية لتحليل بيانات الزلازل وتوقع حدوث زلازل مستقبلية.
ومع ذلك، فإن التنبؤ بالوقت المحدد لحدوث زلزال معين لا يزال صعباً وغير دقيق بشكل كافٍ، حيث أن هذه الظاهرة تعتبر من أصعب الظواهر الطبيعية التي يصعب توقع حدوثها، ولهذا يرى العديد من الباحثين أن الذكاء الاصطناعي مفتاح مستقبل التنبؤ بالزلازل في جميع أنحاء العالم.
يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي العثور على أنماط مخفية في البيانات التي قد تساعد في التنبؤ بالزلازل. ومن الممكن استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات وتحديد الأنماط والكشف عن التغيرات الدقيقة في سطح الأرض، وتحليل مصادر البيانات الأخرى التي يمكن أن تشير إلى زلزال وشيك.
فالتعلم الآلي وهو أحد فروع الذكاء الاصطناعي يسمح لأجهزة الحاسوب بالتعلم من البيانات، ويمكن لخوارزميات التعلم الآلي العثور على أنماط أو ارتباطات مخفية في كميات كبيرة من البيانات التي قد يصعب على البشر اكتشافها أو تفسيرها.
وتعتمد دقة التنبؤ بالزلازل باستخدام التعلم الآلي على عوامل مختلفة، مثل جودة البيانات وكميتها ونوع وتعقيد الخوارزمية. وحددت دراسات مختلفة مستويات مختلفة من الدقة تتراوح من 80% إلى 98% لبعض الحالات. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من عدم اليقين في التنبؤ بالزلازل.
ومؤخرا، وبعد سلسلة الزلازل الكبيرة المؤثرة التي هزت أركان العديد من دول العالم، زاد الاهتمام بالعلوم التي يمكن أن تتنبأ بوقوع الزلازل، كما زاد الجدل حولها، ولكن مما لا شك فيه أن تطور أنظمة التنبؤ بالزلازل المعتمدة على تقنيات الذكاء الصناعي سوف يساعد في التنبؤ بالكوارث، ويحقق قصب السبق في هذا المجال الجديد الواعد.
تقنيات البحث عن الضحايا
تعدّ عمليات البحث عن ناجين من كوارث الزلازل من أصعب عمليات الإنقاذ وأكثرها تعقيدا، فالبحث عن الأشخاص المطمورين تحت أطنان من الأنقاض ليس بالأمر السهل وخصوصا عندما يكون هناك تخوف من انهيارات وتصدعات أو حتى اهتزازات ارتدادية.
لذلك، فعامل الوقت والدقة مهمان وهو ما توفره بعض التقنيات الحديثة التي تختص بهذا النوع من العمليات ومنها:
روبوت الأفعى
طوّر باحثون من جامعة الاتصالات الكهربائية في طوكيو روبوتاً على شكل ثعبان يمكنه صعود درجات عالية والتنقل عبر المساحات الضيقة.
«الثعبان» الذي يبلغ طوله 1.7 متر (5.5 أقدام) يحتوي على 17 مفصلاً مزوداً بأجهزة استشعار المسافة التي يمكن عن طريقها أن يعرف الروبوت إذا كانت كل عجلة من عجلاته على الأرض أو معلقة في الهواء.
ويأمل الباحثون في استخدام الجهاز في غضون 3 سنوات، وذلك بعد إجراء مزيد من البحث لتحسين قدرة الروبوت على إصلاح وضعه في حالة تعرضه لحركات مفاجئة أثناء مهام الإنقاذ في حالات الكوارث.
الطائرات المسيرة
يمكن لنظام الطائرات المسيرة فصل الأحياء عن الأموات عن طريق الكشف عن حركة بسيطة لصدور الضحايا.
صمم مهندسون من جامعة «يوني سا» (UniSA) في جنوب أفريقيا والجامعة التقنية المتوسطة في بغداد نظام رؤية حاسوبيا يمكنه تمييز الناجين عن جثث المتوفين على بعد 8-4 أمتار، باستخدام تقنية جديدة لمراقبة العلامات الحيوية عن بعد.
وما دام الجزء العلوي من جسم الإنسان مرئيًّا، يمكن للكاميرات التقاط الحركات الدقيقة في تجويف الصدر، والتي تشير إلى معدل ضربات القلب والتنفس. وعلى عكس الدراسات السابقة، لا يعتمد النظام على تغيرات لون البشرة أو درجة حرارة الجسم.
واحتل البروفيسور جافان تشاهل والدكتور علي الناجي، قادة الدراسة، عناوين الصحف العالمية في عام 2017 عندما أظهرا لأول مرة أن كاميرا على متن طائرة من دون طيار يمكنها قياس معدلات ضربات القلب والجهاز التنفسي.
وحدة فايندر
تمكنت تقنية جديدة من وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) من إنقاذ 4 من عمال الطوارئ كانوا محاصرين تحت أنقاض زلزال نيبال عام 2015م، عن طريق اكتشاف نبضات القلب.
وتمثل عمليات الإنقاذ الأخيرة أول استخدام حقيقي على الإطلاق لتقنية الاستشعار المتقدمة التي طورتها وكالة ناسا ووزارة الأمن الداخلي.
أُرسلت وحدتان نموذجيتان لهذا النظام إلى نيبال في الأيام التي أعقبت زلزال 25 أبريل . هذه الوحدة تسمى البحث عن الأفراد للاستجابة للكوارث والطوارئ وتعرف اختصارا باسم «فايندر» (FINDER).
يقول جيم لوكس الذي يدير المشروع في مختبر الدفع النفاث التابع لناسا في كاليفورنيا «بصفتي مطوّرا للتكنولوجيا، كان الأمر أشبه بإرسال طفل إلى الكلية».
ويتم تشغيل وحدة «فايندر» التي تأتي بحجم حقيبة اليد بواسطة بطارية ليثيوم، وترسل موجات دقيقة منخفضة الطاقة، ويمكن أن تكشف الموجات عن حركات خفية، مثل النبض الخفيف للجلد الذي يكشف عن دقات القلب، ويمكن أن تخترق هذه الموجات ما يصل إلى 30 قدماً (9 أمتار) في أكوام من الأنقاض أو 20 قدماً (6 أمتار) في الخرسانة الصلبة.
وتتمثل إحدى مزايا «فايندر»، مقارنة بالميكروفونات وأدوات البحث والإنقاذ التقليدية الأخرى، في أنه ليس من الضروري أن يكون الشخص واعياً حتى يعثر عليه، فيكفي النبض.
تقنيات تحد من آثار الزلازل
بالتأكيد! هناك العديد من التقنيات التي يمكن استخدامها لتقليل أضرار الزلزال. تتمثل إحدى التقنيات في تعزيز المباني والبنية التحتية بمواد وتصميمات مقاومة للزلازل. يمكن أن يشمل ذلك استخدام مفاصل مرنة، وامتصاص الصدمات، وأنظمة عزل القاعدة لامتصاص طاقة الزلزال ومنعه من التسبب في أضرار.
هناك أسلوب آخر يتمثل في تعديل المباني الحالية بتحديثات زلزالية، مثل إضافة دعامات فولاذية أو جدران خرسانية لتقوية الهيكل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تحديث قوانين البناء لتتطلب أساليب بناء مقاومة للزلازل للمباني الجديدة.
تشمل التقنيات الأخرى أنظمة الإنذار المبكر التي يمكن أن تنبه الناس إلى زلزال وشيك، مما يتيح لهم الوقت لاتخاذ تدابير وقائية. ويمكن أن تساعد خطط الاستعداد للطوارئ أيضًا في تقليل الأضرار من خلال ضمان معرفة الناس بما يجب عليهم فعله في حالة حدوث زلزال.
بشكل عام، يمكن أن تساعد مجموعة من هذه التقنيات في تقليل تأثير الزلازل على المباني والبنية التحتية، مما يؤدي في النهاية إلى إنقاذ الأرواح وتقليل الأضرار التي تلحق بالممتلكات.
وفي الختام، يمكن أن تلعب التكنولوجيا دوراً حاسماً في الحد من آثار وأضرار الزلازل. من خلال قدرتها في المستقبل على التنبؤ بحدوث الزلازل وتحديد زمان ومكان حدوثها ودرجة قوتها، كما يمكن أن تساعد التكنولوجيا في جهود البحث والإنقاذ باستخدام الطائرات بدون طيار والروبوتات لتحديد مواقع الناجين واستخراجهم من المباني المنهارة.
وبشكل عام، تمتلك التكنولوجيا القدرة على التخفيف بشكل كبير من تأثير الزلازل على حياة البشر والبنية التحتية.