مدخل إلى الزراعة الذكية

مدخل إلى الزراعة الذكية

يترك تغير المناخ أثراً كبيراً على الأمن الغذائي، فالكثير من السكان الذين يعانون من نقص التغذية المزمن، والبالغ عددهم 800 مليون شخص حول العالم ومعظمهم من صغار المزارعين وصيادي الأسماك والرعاة، هم الأكثر تضرراً من ارتفاع درجات الحرارة والكوارث المرتبطة بالمناخ، والتي تتفاقم بسبب تغير المناخ وتزداد حدّة. ومن غير عمل موحد لبناء القدرة على الصمود، سيعاني الكثير من أفقر سكان العالم وأكثرهم تعرضا للمخاطر من أجل إنتاج ما يكفي من الأغذية وتوفير الدخل اللازم لإطعام أنفسهم وأسرهم، وبدون تحقيق الأمن الغذائي فإن التنمية الاجتماعية والاقتصادية غير ممكنة.

المهندس/ إسكندر ثابت
مدير عام الري المزرعي بوزارة الزراعة والري

الزراعة الذكية ودورها في مواجهة تحديات آثار المناخ و توفير الغذاء

الزراعة الذكية مناخيا هي إطار مفاهيمي جديد يهدف إلى معالجة مسألة الأمن الغذائي وتحديات تغيرات المناخ في الوقت نفسه، كما تساهم في تحقيق التغيرات المطلوبة من أجل تحسين قدرة نظم الأغذية على مواجهة الصعاب في المدن المتنامية. ويدعم أسلوب الزراعة الذكية مناخيا تكيف القطاعات الزراعية مع التغيرات المناخية المتوقعة، ويعمل على تعزيز قدرات نظم الإنتاج والمجتمعات المحلية على مواجهة الظروف المعاكسة والظواهر المناخية القاسية. وقد بلورت منظمة الأغذية والزراعة نهجا أو أسلوبا أطلق علية (الزراعة الذكية مناخيا) وعرضته عام 2010م في مؤتمر لاهاي عن الزراعة والأمن الغذائي وتغير المناخ، حيث يشكل مبادئ الزراعة الذكية مناخيا. وقد تم تعريف الزراعة الذكية مناخيا من قبل منظمة الأغذية والزراعة كزراعة إيكولوجية لزيادة الإنتاجية على نحو مستدام، يزيد من مرونة سبل العيش وحماية النظم الإيكولوجية، لتقليل أو إزالة الغازات الدفيئة وتعزيز وتحقيق الأمن الغذائي. وتعني الزراعة الذكية باستخدام العلم وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في تطوير الممارسات الزراعية المستدامة. لذا تعتبر الزراعة الذكية منهجا يستخدم في الزراعة بهدف الوصول لأعلى إنتاجية زراعية من المحاصيل البستانية والحقلية مع المحافظة على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.

لماذا الحاجة إلى الزراعة الذكية؟

إن العمل على نشر وتوطين تطبيقات وتقنيات الزراعة الذكية وإنترنت الأشياء سينتج عنه حتما تعظيم للإنتاج الزراعي وذلك من خلال:

  • تحسين كفاءة استخدام المدخلات الزراعية كالأسمدة والمبيدات ومياه الري.
  • تحسين كفاءة استخدام الآلات الزراعية.
  • تحسين إنتاجية المحاصيل.
  • التحكم بشكل أفضل في التكاليف وضمان ربحية المشاريع الزراعية.
  • المحافظة على الموارد الطبيعية وخاصة على مياه الري.
  • المساعدة على اتخاذ القرارات بسرعة بالاعتماد على برمجيات الهواتف المحمولة.
  • استعمال الإرساليات القصيرة في الأنشطة الإرشادية والتوعوية للتواصل مع المزارعين.
  • الربط المباشر ببيانات السوق عن طريق برمجيات إعلامية لاتخاذ القرار الصائب لتسويق المنتجات.

تقنيات الزراعة الذكية

يتضمن هذا النوع من الزراعة مجموعة من التقنيات والأساليب المتطورة في مختلف مجالات النشاط الزراعي ويمكن تلخيصها بالآتي:-

  • تقنيات علمية مثل التغطية، الزراعة البيئية، الحفاظ على الموارد الزراعية.
  • الإدارة المتكاملة للزراعة والثروة الحيوانية، ومناطق الغابات .
  • إدارة وتحسين الرعي، وتحسين إدارة موارد المياه.
  • إدخال تكنولوجيات مبتكرة، واعتماد أساليب التنبؤ، واعتماد نظم الإنذار المبكر والتأمين ضد المخاطر المناخية.
  • تحقيق التكامل بين التنمية الزراعية والاستجابة المناخية.
  • المحافظة على الموارد الطبيعية وضمان استدامتها.
  • خفض النفقات والاستخدام الأمثل للموارد الزراعية.

تجارب الزراعة الذكية في اليمن

كما أشرنا سابقاً فإن الهدف من الزراعة الذكيةَ هو الاستفادة من التقنيات والأساليب المتطورة في مختلف مجالات النشاط الزراعي بهدف الوصول لأعلى إنتاجية زراعية من المحاصيل البستانية والحقلية مع المحافظة على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة. ولتحقيق هذا الهدف بدأت بلادنا باستعمال عدد من هذه التقنيات والأساليب للحفاظ على المياه والتربة في بعض المشاريع الزراعية من خلال البرنامج الوطني للري مثل استخدام أنظمة الري الحديث والتي عملت على رفع كفاءة الري في المناطق التي تم إدخال هذه الأنظمة فيها، وتبطين القنوات الترابية بقنوات إسمنتية أو استبدالها بأنابيب لتقليل فواقد المياه سواء من التسرب العميق بالتربة أو التبخر. كما تم استخدام الأغطية البلاستيكية في تغطية البذرة والأرض وهذه التقنية عززت من الإنبات المبكر وقللت من التبخر للمياه وحافظت على رطوبة التربة كما ساعدت على السيطرة على الحشائش الضارة.
أما إدخال الزراعة في البيوت المحمية فقد أدى إلى الانتشار الواسع للزراعة في كثير من المناطق، حيث عملت هذه البيوت على تعظيم الإنتاجية والتقليل من استخدامات المياه، وبدأ الكثير من المزارعين في تبني هذه التقنية. كما تم استخدام حساسات للرطوبة أو الحرارة أو الرطوبة الأرضية، ويتم من خلالها ضبط الاحتياج من درجة حرارة أو رطوبة جوية أو أرضية وغالبا ما يتم ذلك في البيوت الزراعية، وقد ساعدت هذه الحساسات في إعطاء النبات الاحتياجات المائية الضرورية بدون زيادة أو نقصان، كما ساعدت في التحكم في الرطوبة بداخل البيوت المحمية مما ساعد على التقليل من انتشار الأمراض والآفات ومكافحتها أولا بأول.
كما بدأت بعض الجهات والمزارعين بتبني الزراعة المائية ولو بشكل محدود. وهذه النوع من الزراعة يعطي إنتاجية مضاعفة في وحدة المساحة تصل إلى 4 أضعاف الزراعة التقليدية، كما يتم من خلال هذا النوع من الزراعة التوفير في مياه الري والأسمدة والتقليل من المبيدات الزراعية.

الزراعة الذكيّة وإنترنت الأشياء

من أبرز تطبيقات إنترنت الأشياء في الزراعة الذكيّة ما يسمى بالزراعة الدقيقة، أي النهج المستخدم في إدارة المزارع والتحكم في المحاصيل من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وأجهزة الاستشعار وأنظمة التحكم عن بعد والآلات ذاتية التشغيل، بهدف الحصول على بيانات دقيقة، واستثمار هذه البيانات في توجيه الزراعة توجيهاً دقيقاً نحو إنتاج أكبر بتكلفة أقل، وإنتاج محاصيل ذات جودة عالية.
على سبيل المثال تتيح أجهزة الاستشعار عن بعد، والموضوعة في الحقول للمزارعين، الحصول على خرائط تفصيلية لكل من التضاريس والموارد في المنطقة، فضلًا عن قياس المتغيرات مثل الحموضة ودرجة حرارة التربة، والرطوبة، كما يمكنها أيضًا التنبؤ بأنماط الطقس لأيام وأسابيع قادمة.
تساعد الزراعة الدقيقة المعتمدة على إنترنت الأشياء على اتخاذ القرارات الأفضل لتحسين الإنتاج الزراعي، إضافة لذلك تلعب البيانات التي يتم جمعها وتحليلها، دورًا كبيرًا في رصد الآفات الزراعية، وتحديد كمية المبيدات المطلوبة بدقة تجنبًا للاستخدام المفرط في استعمالها، وكذلك تساعد عمليات جمع وتحليل البيانات في الاستخدام الرشيد لمياه الري.
وتحقق تقنيات إنترنت الأشياء فائدة كبرى لأصحاب البيوت الزجاجية، عن طريق مراقبة درجة الحرارة ومستويات الضوء والرطوبة والضغط الجوي، واستهلاك المياه داخل البيت الزجاجي من خلال بوابة إلكترونية تتيح للمزارعين استلام إشعارات عند حدوث أي تغيير في هذه المعلومات، كما يمكن التحكم عن بعد بأجهزة رفع أو خفض درجة الحرارة، والتحكم بمستوى الإضاءة وفتح وإغلاق النوافذ عن طريق الإنترنت.
ومن التطبيقات الأخرى المهمة لإنترنت الأشياء في الزراعة الذكيّة استخدام الطائرات المسيّرة بدون طيار، وذلك لرصد المحاصيل وتقييمها، وتصوير الأراضي الزراعية ورسم الخرائط، وقياس مكونات الهواء، إضافة إلى رش المحاصيل بالمبيدات بشكل سريع وآمن، وإرسال البيانات بشكل فوري إلى برمجيات تقوم بتحليلها وتوجيه المزارعين إلى تنفيذ الإجراءات الأفضل.
لهذا فإن الزراعة الذكية ثورة خضراء تنقذ البشرية من تبعات الانفجار السكاني وتغير المناخ. وتعتمد على التكنولوجيا المتقدمة في الزراعة بطرق مستدامة ونظيفة وترشيد استخدام الموارد الطبيعية خاصة المياه ومن أبرز سماتها اعتمادها على نظم إدارة وتحليل المعلومات لاتخاذ أفضل قرارات الإنتاج الممكنة، بأقل التكاليف، بالإضافة إلى مكافحة الآفات، ومراقبة التربة والمحاصيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى