البيوتكنولوجي المستقبل الواعد لصناعة وتطوير الأدوية

ما إن انتهى القرن العشرون بطفرة كبيرة في العلوم التقليدية كالطب والكيمياء والفيزياء وغيرها، بدأ القرن الحادي والعشرون بتطبيقات علمية جديدة، بدأ تأسيسها العلمي في القرن الماضي، ولكن كان ظهورها وتألقها واعداً في بدايات القرن الحادي والعشرين.

وتحمل هذه التطبيقات العديد من المفاجآت المدهشة للبشرية في المستقبل القريب العاجل وبعضها ظهرت نتائجها حقاً. ومن أهم هذه العلوم الحديثة علم التقنية الحيوية أو (البيوتكنولوجي).

وقد اعتبر تقرير الاتجاهات المستقبلية للاقتصاد العالمي للمنتدى الاقتصادي العالمي أن الصناعات المرتبطة بالبيوتكنولوجي أو التكنولوجيا الحيوية ستكون من بين أعلى خمس صناعات نمواً خلال العقد المقبل؛ بسبب اتساع نطاق تطبيقاتها والحاجة إلى منتجاتها، كما توقع تقرير صادر عن شركة جراند فيو للأبحاث أن تصل قيمة سوق التكنولوجيا الحيوية العالمية إلى 727.1 مليار دولار بحلول عام 2024م، ومن المتوقع أن يؤدي ظهور بعض التطورات التقنية المحورية في سوق التكنولوجيا الحيوية إلى دفع النمو في هذه الصناعة إلى مستوى ربحية قياسية. وتشكل “الصيدلة الحيوية” أي استخدام التكنولوجيا الحيوية في تصنيع الأدوية %61 من سوق البيوتكنولوجي الذي تبلغ قيمته نحو 140 مليار دولار ومن المنتظر أن يشهد هذا السوق المزيد من التوسعات خلال الأعوام المقبلة في ظل نمو متوقع بنحو%11.4 وفقًا للجمعية الأمريكية للصحة العامة.

التقنية الحيوية أو (البيوتكنولوجي) يمكن تعريفها بأنها مجموعة تقنيات تعتمد على الأسس أو التطبيقات الحيوية أو البيولوجية، وقد أسهمت هذه التقنية وتطبيقاتها في تطور أبحاث واكتشافات الجينات والعوامل الوراثية وعلوم المناعة والكيمياء الحيوية وعلوم الخلايا والأنسجة وغيرها، مما أدى وسيؤدي إلى تقدم كبير في اكتشاف وعلاج الكثير من الأمراض وفي تطوير جودة العديد من المنتجات الدوائية الحيوية والمكلفة في الثمن.

التقنية الحيوية تعتبر المستقبل الواعد والمشرق للعالم، ويؤمل أن تكون الطريق الأمثل لتطوير أدوية وعلاجات فعالة لأمراض خطيرة جداً مثل الإيدز والزهايمر والسكري وبعض أنواع السرطانات والتهاب المفاصل وغيرها من الأمراض المزمنة التي لايزال الطب عاجزاً عن تطوير علاجات فعالة لها.

في العام 1982م تم تقديم أول دواء تم تركيبه وفق أسس التقنية الحيوية وهو دواء الأنسولين البشري. ويوجد حالياً أكثر من مائة دواء تم تطويرها في السنوات الأخيرة بناءً على هذه التقنية، وهناك أكثر من 350 بحثاً سريرياً على المستويات العالمية مازالت قائمة لتطوير أو اختبار أدوية تعتمد في صناعتها على مبادئ التقنية الحيوية.

وقد نجحت العقاقير المصنعة بالتكنولوجيا الحيوية واللقاحات في مساعدة أكثر من 250 مليون شخص حول العالم في العلاج. وتوجد في الرعاية الصحية أربعة مجالات رئيسية تعتمد على التكنولوجيا الحيوية هي: الأدوية البيولوجية، اللقاحات، أدوات التشخيص، والعلاج الجيني. وتعرف الأدوية البيولوجية بأنها تطور وتنتج في خلايا حية مصدرها بشري أو حيواني أو أحياء دقيقة، وتكون عادة ذات جزيئات كبيرة مثل البروتينات، على عكس الأدوية التقليدية التي تكون صغيرة الجزيئات ومصنوعة من عمليات كيميائية تخليقاً أو استخلاصاً طبيعياً. ومن الأدوية البيولوجية، هرمون النمو الآدمي، الأنسولين الأدمي Recombinant الاريثروبويتن الانترفيرونات، عامل تحفير مستعمرة المحببات التناظري (فيلجراستيم Filgrastim ( G -CSF مضادات وحيدة النسيلة Monoclonal antibodies و مضاد نخر الورم – الفا
Anti-TNF-a therapy.

وقد ساهمت هذه الأدوية في علاج العديد من الأمراض المزمنة والمستعصية مثل نقص النمو السكري، الأنيمياء مرض نزف الدم، التهاب الكبد، سرطان الدم، العصاب MS، رفض الزروع Transplant rejection، بعض أنواع السرطان، التهاب المفاصل الروماتويدي Rheumatoid Arthritis، التهاب المفاصل الصدفي Psoriatic Arthritis، الصدفية Psoriasis، مرض كرون Crohn،s disease، و التهاب القولون التقرحي Ulcerative Colite.

ويعتقد أن تطبيقات التقنية الحيوية بما أحدثته وتحدثه من ثورة كبيرة في صناعة الدواء والعلاج وفي فهم التركيبات الوراثية والجينية للإنسان والحيوان مرشحة لأن تكون في القريب العاجل ضمن الجوانب الرئيسية التي تبين التطور والتقدم للدول، كما حدث في مجال ثورات الحاسب الآلي والإلكترونيات والمعلوماتية. لأجل ذلك تتسابق الدول الكبرى حالياً على تبني موضوع التقنية الحيوية وجعله ضمن أولوياتها البحثية والتطويرية، حتى أن العديد منها شكلت وزارات أو مجالس أو لجاناً عليا لمتابعة وتطوير هذا الموضوع.

للتدليل على هذا التسابق نجد أن الولايات المتحدة قد أنفقت خلال عام 1999م ما يقارب 10 بليارات دولار كدعم لأبحاث التقنية الحيوية التي أسهمت في توظيف أكثر من 135 ألف شخص. ومثلها تفعل دول أخرى مثل كندا واليابان واستراليا ودول أوروبا. وكما أن تقنية المعلومات والإلكترونيات تمكنت من البروز فيها دول ليست غنية أو متقدمة وفق مفاهيم تصنيف دول العالم، كالهند وماليزيا، فإن التقنية الحيوية وهي الموجة الجديدة التي ستجتاح العالم قريباً هي الأخرى لاتزال مجالاً خصباً وقابلاً لأن تتبناه دول ومؤسسات متواضعة اقتصادياً وعسكريا، طالما وجدت لديها الكوادر المؤهلة والتقنيات الأساسية. ولذلك أتمنى أن تلتفت بلادنا الحبيبة اليمن في ظل الظروف الصعبة التي تعاني منها في الوقت الحالي لهذا الأمر وأدعو إخواني الصيادلة إلى التأهيل ومواصلة الدراسات العليا في هذا المجال بشكل أكثر جدية، ليكون لنا شأن متقدم في عالم متقدم تقنياً وعلمياً. صحيح أننا دولة فقيرة وقد لا يكون لدينا الامكانيات الأولية حالياً وأهمها الامكانات المادية لكن ستنتهي هذه الظروف بإذن الله تعالى وسيحل علينا الأمن والأمان وستتوحد الجهود وتوجد العزيمة وتتوجه الحكومة لتبني دعم الباحثين وتأهيل المهتمين في هذا المجال والشروع في الدخول في هذا العالم المتطور من الأبحاث والدراسات والصناعات التقنية، وعندها سوف نصل ونتغلب على كافة الصعوبات والمعوقات وستكون هذه العلوم رافدا اقتصادياً كبيراً جداً للبلد.

كما أمل بفتح قسم البيوتكنولوجيا الحيوية واعتماده ضمن منهج وزارة التعليم العالي، فللأسف الشديد في وقتنا الحاضر لا يوجد حتى مادة تدريسية عن هذا العلم تدرس ضمن مناهج كليات الصيدلة في جميع جامعات اليمن الحكومية والخاصة. وحتى نلحق بالعالم لابد من تبني الاستراتيجيات الداعمة لذلك خاصة مع وجود كوادر مؤهلة وقادرة على المضي قدماً في هذا المضمار ولكنها مفرقة في جميع أنحاء العالم.

كمتخصصين سوف نرى بأن الحلم سيتحقق في ظل حاجتنا لتنوع مواردنا الاقتصادية، فالدواء من أغنى الموارد الاقتصادية العالمية لأغلب البلدان، و الدعوة لتبني البدء في البحث والدراسات والصناعات في مجال التقنية الحيوية ليس مجرد ترف علمي بل له أبعاده الاقتصادية والأمنية والاجتماعية وغيرها، ولكي تكون الاستفادة منها أمثل وأسلم لمجتمعنا ومستقبلنا. وهنا نضع المسؤولية على عاتق الجهات البحثية والعلمية وعلى رأسها وزارة التعليم العالي وجامعة صنعاء (كلية الصيدلة) والهيئة العليا للأدوية ووزارة الصحة العامة، ونطالبها بالبدء في عمل التشريعات والتنظيمات اللازمة في هذا الشأن ومتابعة الجهود البحثية والأكاديمية في مجال الصناعات المتعلقة بالتقنيات الحيوية عموماً والوراثية بشكل خاص .. نفعنا الله لما فيه خير لوطننا وأمتنا..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى