الهولوجرام .. تقنية المستقبل

كثيراً ما يتمنى الإنسان رؤية شخص فقده أو طال غيابه، ولو لدقائق معدودة، إنه أيضاً حال الكثير من عشاق الزمن الجميل، جمهورٌ غفيرٌ يتمنى حضور حفلةٍ لشخصيته المفضلة، وقد يبدو الأمر مستحيلاً، إلا أن تقنية الهولوجرام للتصوير ثلاثي الأبعاد حققت تلك الأمنية، فمن المقرر تدشين حفلات لعدد من الشخصيات المشهورة في موسم الرياض الجاري من خلال تلك التقنية الجديدة. ويتساءل الكثيرون ما هو الهولوجرام وكيف يعمل؟

م.عبدالملك مهدي – نائب المدير التنفيذي – إبداع سوفت

يعتبر الهولوجرام تقنية حديثة تسمح بإنشاء صور ثلاثية الأبعاد، أي أن لها طولاً وعرضاً وارتفاعاً، باستخدام أشعة الليزر، حيث تظهر الصور الضوئية المجسمة في الهواء كما لو كانت أجساماً حقيقية، ويشبه الأمرُ إلى حدٍّ ما مشاهدةَ فيلم ثلاثي الأبعاد ولكن بلا نظارات أو أدوات خاصة.

والهولوغرام هو خليط بين التصوير الفوتوجرافي ورؤية شيء حقيقي، فهو مثل الصورة الفوتوغرافية من جميع الاتجاهات حيث أنه يحتفظ بالضوء المنعكس من الشكل المراد تصويره، لكن الصورة الهولوجرامية تختلف في قدرتها على عكس الضوء القادم من الأبعاد الثلاثة للجسم وليس من زاوية واحدة فقط،

فإذا تحركتَ أثناء النظر إلى الصور الهولوجرامية، يصبح بإمكانك رؤيتها من جميع الزوايا المختلفة، تماماً كما لو كنت تنظر إلى جسم حقيقي، وذلك لأن كل نقطة في الصورة تلتقط موجات الضوء التي انعكست من كل نقطة في الجسم.

تاريخ اختراع الهولوجرام

يرجع تاريخ اختراع الهولوجرام إلى العام 1947، عندما تَوصَّل عالم الفيزياء البريطاني المجري دينيس غابور، إلى نظرية الهولوجرام أثناء عمله على تطوير المجهر الإلكتروني، إلا أنه لم يتمكن من تطبيق نظريته عملياً،

لأن مصادر الضوء المتاحة آنذاك أضعف من أن تولِّد صورة هولوجرامية متماسكة، وقد كان غابور أول من ابتكر مصطلح هولوجرام، بدمجه كلمتين يونانيتين هما (holos) أي كامل و (gramma) أي رسالة، أي: الرسالة الكاملة.

وبعد مرور العديد من السنوات وظهور اختراعات للحزم الضوئية الكثيفة؛ تطورت أدوات الهولوجرام، وظهرت أول صورة هولوجرامية عام 1962 على يد العالمين إيميت ليث، وجيوريس أوباتنيكس، من جامعة ميشيغان الأميركية، حيث صنعا مجسمات هولوجرامية لقطار لعبة وعدداً من الطيور، وتوالت بعد ذلك التطبيقات، حتى ظهرت أول صورة هولوجرامية للإنسان عام 1967.

كيف تحصل على صورة هولوجرامية ثلاثية الأبعاد

حتى تحصل على صورة هولوجرامية ثلاثية الأبعاد، أنت بحاجة إلى المكونات التالية: جهاز ليزر نيون الهيليوم (HeNe)، ومجزِّئ الأشعة، وعدسات تُوجَّه إليها أشعة الضوء المقسمة من المرايا،

وتلعب هذه العدسات دوراً عكسياً، ففي كاميرات التصوير الفوتوجرافي العادية تُستخدم العدسات لتجميع الضوء، في حين تُستخدم عدسات الهولوجرام لتشتيت الضوء،

ليتحول من مجرد شعاع مُركَّز إلى حزمة ضوئية منثورة على نطاق واسع، وتعكس إحدى المرايا الموجودة أمام شاشة العرض الشعاعَ المرجعي، وتنعكس أشعة الجسم هذه من مختلف زوايا واتجاهات الجسم على شاشة العرض،

ويجب توفُّر فيلم هولوجرافي، وهو طبقة رقيقة للغاية موجودة على سطح شفاف، تماماً مثل فيلم التصوير الفوتوجرافي، إلا أن الفيلم الهولوجرافي يتميز بقدرته على تسجيل التغييرات الضوئية البالغة الصغر، والتي تحدث على مسافات مجهرية.

تعدد استخدامات الهولوجرام

لا تقتصر استخدامات الهولوجرام على التصوير فقط، بل إن له العديد من الاستخدامات العلمية، إذ يُستخدم في الكثير من العملات والبطاقات الائتمانية لمنع التزييف، وفي الأعمال الفنية، وفي أجهزة الاستشعار والمجسات،

كما تستخدمه الطائرات أحياناً لرسم صورةٍ ذات أبعاد واقعية للمنخفضات الجوية، ويُستخدم أيضاً في الفيزياء لقياس الجرعات الإشعاعية.

ويمكنك أن تتخيل أنه يمكن عقد محاضرة في دولة ما ونقلها في نفس الوقت لدول أخرى مع سرعات البث التي وصل لها العالم الآن، وإذا تمكَن المبتكرون من عمل هذه التقنية بطريقة قابلة للمس، حينها سيظهر لنا ما كنّا نشاهده كخيالٍ علمي كالكمبيوتر الهولوجرافي والجوال الهولوجرافي والمنزل الهولوجرافي،

واستخدامات أيضاً في الإعلان والتسويق، وفي الوقت الحالي الكثير من القاعات الخاصة تقوم بعمل العروض والمحاضرات من خلال تقنية الهولوجرام،

وأصبح من السهل على مقدمي العروض بـ “استخدامها” بدلاً من استخدام العروض التقليدية بالبروجكتر المعروف وذلك بتحويل عروض powerpoint إلى عروض قابلة لتقديمها بهذه التقنية على شكل ثلاثي الأبعاد ومن أجل تطوير التعليم في الجامعات تعمل كبرى شركات التكنولوجيا بالتعاون مع جامعات الطب، لتطوير التعليم والعلوم إذ تنوي جامعة وسترن ريسرف أن تستغل الهولوجرام في الكمبيوتر لتعليم طلاب الطب.

ونشر أحد المواقع مقطع فيديو يُظهر مفاجأة غير متوقعة، ويظهر الفيديو تجربة ثلاثية الأبعاد، يمكن للطلاب فيها تعلم التشريح، ومتابعة الحالات، حيث يتجسد أمامهم الجسد بتفاصيله، من عظام وعضلات وأجهزة من جميع الزوايا، وبهذا يمكن للطلاب أن يتفاعلوا مع النماذج الثلاثية الأبعاد، وبالتالي استبعاد الجثث الحقيقية، ويصبح أطباء المستقبل أكثر اطلاعاً عبر المحاكاة.

وهكذا يمكننا أن نخلص بالقول إلى أن الهولوجرام عبارة عن تقنية تستخدم في إنشاء صورة للأجسام ثلاثيّة الأبعاد وتسمى الصور التجسيميّة تظهر في الفراغ باستخدام أشعة الليزر،

وقد ظهر استخدام هذه التقنية بكثرة في تصوير الأفلام. بدأت منذ عام 1962م حيث قام بها العلماء إيميت ليث وجوريس أوباتنيكس من جامعة ميتشيجن الأمريكية ويوري دينيسوك من الاتحاد السوفيتي من خلال تسجيل الأشياء ثلاثية الأبعاد بسهولة باستخدام الليزر، كما أسلفنا سابقاً.

أنواع من الهولوجرام:

  • هولوجرام الإرسال وتستخدم بسطوع ضوء يتم من خلاله عرض الصور من جانب واحد فقط.
  • هولوجرام مجسم بألوان الطيف وتستخدم للأغراض الأمنية، كرخصة القيادة والأوراق النقدية وبطاقات الائتمان.
  • هولوجرام بواسطة الإضاءة وتعرض صور ثلاثية الأبعاد من خلال النظر إليها من اتجاه معين وتعتمد على زجاج دائري.
  • هولوجرام الطاولات الرقمية وهو من خلال انبعاث أشعة الليزر متعددة الاتجاهات والألوان مما يجعلك ترى الأمور الكونية قريبة إلى الخيال.
  • هولوجرام الإحياء الرقمي وهو من أكثر الأنواع إبهاراً وشيوعاً من حيث دوره في استرجاع مجموعة من الفنانين على سبيل المثال وكأنه على قيد الحياة مرة أخرى.
  • استخدام البلازما الهوائية ويتم ذلك من خلال رؤية انعكاس الإضاءة على وسيط معين كالوسيط المائي أو الزجاج أو الدخان.

الهولوجرام والتعليم:

إمكانية ربط الفصول الدراسية عن بعد وجعلهم يتشاركون في المحادثات مما يجعل الدروس أكثر تفاعلية ومتعة، حيث أنها ستمكن المحاضر من تقديم محاضراته في عدة فصول دراسية في آنٍ واحد متجاوزين بهذه التقنية حواجز الزمان والمكان، وبهذا يمكن الحضور عن بعد بحيث تسمح هذه التقنية لطلاب في المنزل بأن يشاركوا في المحاضرة ويتفاعلوا مع المدرس حيث يستطيع المدرس أن يتلقى الأسئلة أو أن يحاور الطلاب غير الموجودين ضمن محيطه عن طريق المحادثات أو الأنظمة الصوتية،

وحضور الأماكن أو الأحداث التاريخية عن طريق إنشاء محاكاة لها، كما ويتم استخدام هذه التقنية للأطفال بالغوص إلى أعماق البحار دون تعريضهم إلى أية مخاطر ليشاهدوا ويختبروا أشكال الحياة المائية.

ومع انتشار تقنية الهولوجرام واستخداماتها في المؤسسات التعليمية، ستجلب مستوى لا مثيل له من الانخراط والمتعة في عملية التعلم وستشجع الكثير من الأشخاص خاصة وأنها تتراوح بين الترفيه وبين الاستخدامات العلمية والطبية والعسكرية والفلكية وغيرها من المجالات، ومن هنا يتضح لنا بأن تقنية الهولوجرام قد تساهم وبشكل كبير في تطوير الحضارة البشرية وتغيير كيفية تعاملنا مع العالم من حولنا.

وها هي علوم الطب تفتح أبوابها لتقنيات مستقبلية تستخدم حالياً في الألعاب – منها تقنية الهولوجرام – وبدأت التجارب لاستخدامها في إجراء عمليات جراحية معقدة، وهو ما ينبئ بمنجزات كبيرة في مجال الطب والجراحة.
حيث تمكن أخصائي الجراحة أشيش جوبتا من إعادة بناء عظام تالفة في كتف مريض تعرض للخلع، بإجراء عملية جراحية معقدة، وذلك بمساعدة هذه التقنية الحديثة.

وبحسب ABC News، فقد قام فريق هندسي متخصص في البحث والتطوير، ببناء صورا ثلاثية الأبعاد لكتف المريض الذي أصيب بعيب في العظام بعد تعرضه لخلع مفصل الكتف، وقد ساعدت الصور المجسمة في توجيه العملية، ما مكّن الطبيب من عرض الأجزاء المخفية من تشريح المريض.

وأوضح جوبتا أن مجسمات ”الهولوغرام“ ساعدته في إجراء الجراحة بسهولة، مشيراً إلى أنه أجرى أكثر من اثنتي عشرة عملية باستخدام تقنية الواقع المختلط في مستشفى غرينسلوبس برايفت، بمدينة بريزبن الأسترالية، وذلك كجزء من تجربة سريرية معتمدة.

واعتبر جوبتا أن مجسمات الهولوجرام، يمكن أن تكون مهمة في عدد من المجالات، بما في ذلك الأمراض العصبية، وجراحة الأوعية الدموية والعمود الفقري، لافتاً إلى أنها ستغير من طريقة تعليم وتدريب الجراحين، كما ستتيح للجراحين، أداء نفس طريقة الجراحين المهرة داخل العمليات الجراحية.

والآن عزيزي القارئ.. إليك هذا السؤال: ما أول شيء ترغب في مشاهدته واستعراضه بتقنية الهولوجرام؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى