الطاقة والاقتصاد العالمي

مفهوم ارتباط الطاقة بالاقتصاد لم يظهر بشكله الحالي إلا بعد النهضة الاقتصادية في القرن التاسع عشر حيث تسابقت القوى العظمى لتسيطر على منابع النفط والغاز، أو توطيد العلاقات السياسية مع حكام الدول المصدرة للنفط والغاز وغيرها من المصادر الطبيعية.

إلى جانب ذلك، فإن الدول المتقدمة اهتمت وبشكل خاص بتطوير كل أنواع التكنولوجيا اللازمة لاستخراج وتعدين كل ما أمكن ليساعد في تقدمها على صعيد وابتكار مصادر أخرى للطاقة تقلل من اعتمادها على مصادر الطاقة الموجودة خارج حدودها على صعيد آخر. سأقوم هنا بتقديم بسيط لمدى استهلاك الطاقة حالياً ومن ثم عرض مختصر لمستقبل الطاقة حتى عام 2030م.

شهد القرن العشرين زيادة سريعة بنسبة عشرين ضعف في استخدام الوقود الأحفوري بين عامي 1980 و 2006 بمعدل نمو سنوي في جميع أنحاء العالم يقدر بحوالي %2 وفقا لتقديرات الإدارة الأمريكية لمعلومات الطاقة في 2006 في اسهام اجمالي يبلغ %86 للطاقة في العالم.

يعتبر الفحم والنفط والغاز من أهم أنواع الوقود الاحفوري. في عام 2000، استحوذت الصين على %28 من استهلاك العالم من الفحم، بينما استهلكت دول آسيا الأخرى ما مجمله %19، وأمريكا الشمالية %25 والاتحاد الأوروبي %14.

وتعتبر الصين أكبر دولة منتجة ومستهلكة للفحم وكانت حصتها من إنتاج الفحم على مستوى العالم %28 في عام 2000 وارتفعت إلى %48 في عام 2009 والدافع هو استهلاك الطاقة في قطاع الصناعة الصيني.

وإذا استمر إنتاج واستهلاك الفحم بنفس المعدل كما في عام 2008، وإذا ما ثبت اقتصاديا أن الاحتياطي العالمي القابل للاستخراج من الفحم سيستمر لحوالي 150 سنة فان احراق هذه الكمية هو أكثر بكثير من الكمية اللازمة لكارثة مناخية لا رجعة فيها؛ لأن الفحم هو أكبر مصدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم.

وعلى الرغم أن الفحم أثار الثورة الصناعية في القرن 18 و19 لكن مع ظهور السيارات والطائرات وانتشار الكهرباء، أصبح النفط هو الوقود السائد خلال القرن العشرين كأكبر مصدر من مصادر الطاقة وتشير التقديرات إلى أن ما بين 100 و 135 مليار طن من النفط قد استهلكت منذ 1850 وحتى الوقت الحاضر.

يمثل الغاز الطبيعي أحد أهم مصادر الوقود الاحفوري وينمو الاستهلاك العالمي للغاز بشكل كبير نظراً لأنه يعتبر رخيص نسبيا ويستخدم في توليد الطاقة الكهربائية والتدفئة وبضرر أقل للبيئة. أما بالنسبة للطاقة النووية فإن هنالك ما مجموعه 434 مفاعلاً نووياً قابلة للتشغيل في العالم مع 66 مفاعلاً قيد البناء حاليا تسهم في توفير وإنتاج %13-14 من الطلب على الكهرباء في العالم.

وفي ظل تفاقم أزمة المناخ وعدم استقرار أسعار النفط والغاز وخاصة في أوقات الحروب في منطقة الخليج، فقد تعلم العالم درساً قاسياً في عام 1973 حين تأثرت امدادات النفط بالحرب في ذلك الوقت وبدأ بتبني مشاريع لتوليد الطاقة البديلة أو ما يعرف بالطاقة المتجددة والتي يمكن أن تأتي من الموارد التي تتجدد بشكل طبيعي مثل أشعة الشمس والرياح والأمطار والمد والجزر والأمواج والحرارة الجوفية لتحل الطاقة المتجددة محل الوقود التقليدي في أربعة مجالات متميزة هي توليد الكهرباء، المياه الساخنة / التدفئة ووقود السيارات، وخدمات الطاقة في المناطق الريفية خارج الشبكة.

وعلى النقيض من مصادر الطاقة الأخرى، توجد موارد الطاقة المتجددة في مناطق جغرافية واسعة تضمن الانتشار السريع للطاقة المتجددة ورفع كفاءة الطاقة ويؤدي إلى استراتيجية آمنة للطاقة بالإضافة إلى التخفيف من آثار تغير المناخ وغيرها من الفوائد الاقتصادية. وفي استطلاعات الرأي العام الدولية هناك دعما قويا لتعزيز مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

وعلى المستوى الدولي هنالك مالا يقل عن 30 دولة في جميع أنحاء العالم لديها مساهمة من الطاقة المتجددة قد تصل الى أكثر من 20 في المئة من امدادات الطاقة.

ومن المتوقع أن تستمر في النمو بقوة خلال العقود المقبلة. هنالك العديد من مصادر الطاقة المتجددة سأقوم بشرح أهمها هنا بإيجاز. أكثر الطاقات المتجددة اسهاما في توليد الطاقة هي الطاقة الكهرومائية وهي مصطلح يشير إلى الكهرباء المولدة من خلال استخدام الطاقة الحركية للسقوط او تدفق المياه. ذلك هو الشكل الأكثر استخداما على نطاق واسع من الطاقة المتجددة.

الطاقة الشمسية متمثلة في الضوء المنبعث والحرارة الناتجة عن الشمس قد تم تسخيرها من قبل البشر منذ العصور القديمة باستخدام مجموعة من التقنيات المتطورة باستمرار.

وتشمل تكنولوجيات الطاقة الشمسية، السخانات الشمسية والخلايا الكهروضوئية والكهرباء الحرارية الشمسية والهندسة المعمارية الشمسية، والتي يمكن أن تقدم إسهامات كبيرة في حل بعض المشاكل الأكثر إلحاحا التي يواجهها العالم الآن. توقعت وكالة الطاقة الدولية أن الطاقة الشمسية يمكن أن توفر ثلث الطلب على الطاقة العالمي في 2060.

من مصادر الطاقة المتجددة أيضاً ما يعرف بطاقة حرارة الأرض وتستخدم الطاقة الحرارية الأرضية تجاريا في أكثر من 70 بلدا في استخدامات معظمها لأغراض التدفئة. ولكن ترتبط هذه الطاقة بجغرافيات معينة تتطلب وجود حرارة عالية بالقرب من سطح الأرض كمناطق البراكين مثلا مما جعل استخدامها محدودا بهذه المناطق.

نظرة مستقبلية

أضحت كل اقتصادات العالم تتنافس بقوة لتضمن حصتها من الطاقة اللازمة لضمان تنمية مستدامة ولكن معظم الدول افرطت في استعمال الوقود الاحفوري مساهمة فيما بات يعرف بظاهرة الانحباس الحراري ولم يفق العالم إلا في نهاية تسعينيات القرن الماضي وتم الاتفاق على بروتكول كيوتو للحد من ظاهرة الانحباس الحراري إلا أن دولا لم تلتزم بعد توقيع الاتفاقية نظراً لتنامي استخدام الطاقة في دولاً نامية مثل الصين والهند والتي لا يمكن كبح استخداماتها للطاقة الرخيصة نظراً للتقدم المتسارع فيها.

هنالك العديد من النظريات والسيناريوهات التي تصف مستقبل الطاقة والاقتصاد فتقليديا، إذا افترضنا أن الاقتصاد العالمي سوف يستمر بنفس وتيرة التقدم مع الحفاظ على الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، فإن العالم سوف يستنزف الوقود الأحفوري بوتيرة متسارعة تسمح بانخفاض الأسعار بسرعة مع ابداء القليل تجاه مخاوفنا البيئية.

وستذهب المزيد من الاستثمارات إلى تقنيات موثوق بها كالغاز والطاقة النووية والفحم وستستمر شركات الكهرباء في الاستثمار في تقنيات تعتمد على الشبكات الكهربائية الموجودة. ولكن نظرا لكون الطلب على الطاقة يتزايد يوما بعد يوم نظرا لزيادة الطلب من قبل الاقتصاديات النامية، سيكون من الصعب جدا الحفاظ على الوقود الأحفوري، وينبغي وضع المزيد من الاستثمارات في التكنولوجيات الأكثر كفاءة ونظافة. بالإضافة إلى ذلك، فإن العالم بحاجة إلى بذل المزيد من الاستثمار في تكنولوجيات الشبكات المتقدمة مثل الشبكات الذكية وعمل المزيد من الدراسات والاستثمار في حلول مستقبلية لتخزين الطاقة.

في معظم توقعات مستقبل الطاقة التي تقوم بها شركات التسويق والاستثمار أو المؤسسات الحكومية، فان حصة الطاقة المتجددة ستزيد على %40 من الطاقة بحلول عام 2030.

يمثل الرسم البياني أعلاه أحد الأمثلة على مستقبل ونوع الطاقات المستخدمة بحلول عام 2030 وكما يمكن مشاهدته من هذا الرسم البياني وفقا لبلومبرغ لتمويل الطاقة، فان طاقة الرياح والطاقة الشمسية ستستمر في السيطرة على حصة كبيرة من الطاقة المتجددة متجاوزة بذلك ما تنتجه محطات الطاقة الكهرومائية الكبيرة. وأنا شخصيا اتفق مع هذا.

ومع ذلك، فإن الطاقة الكهرومائية قد تكون واحدا من أقوى الخيارات لتخزين الطاقة وذلك باستخدام الفائض في الطاقة الكهربائية برفع الماء إلى خزانات عالية ومن ثم استخدام الماء المتدفق في توليد الطاقة.

سوف يكون هناك اسهاما أقل جدا بحلول عام 2030 من الطاقات مثل طاقة المد البحرية والطاقة الحرارية الأرضية والطاقة الشمسية الحرارية نظراً لارتفاع تكلفتها.

على صعيد آخر فإن طاقة الوقود الأحفوري تنمو قليلا ولكن إجمالي اسهامها كليا سيقل من %67 في عام 2012 إلى نحو %45 بحلول عام 2030. وسيكون الوضع الحالي للطاقة النووية دون تغيير أي حوالي %6 نظراً لزيادة الوعي حول السلامة النووية بعد حادث فوكوشيما في 2011 في اليابان.

الشبكات الذكية للطاقة (سمارت جريد)

في ظل الوضع الحالي لشبكات الكهرباء المركزية فإنه من الصعب الجزم بمقدار الفقد الطاقي الناجم عن فقدان القدرة على معرفة كمية العرض والطلب للتيار الكهربائي. في وسائل توليد الكهرباء التقليدية يتم تقدير مقدار الطاقة اللازمة توليدها بناء على نتائج مسبقة لمتوسط الاستهلاك اليومي حسب الوقت بحيث تتيح لمشغلي الشبكات معرفة القدر اللازم من الكهرباء يوميا أو حتى على مدار الساعة.

تكون هذه المواءمة صحيحة نسبيا لشبكات صغيرة مع الأخذ بعين الاعتبار بإنتاج طاقة أكبر قليلا من ما يستهلك لتفادي العجز الكهربائي ولكن عندما تبدأ هذه الشبكات بالنمو تدريجيا مع التوسع العمراني والزيادة في عدد السكان يصبح من الصعب التحكم في هذه الشبكات ومعرفة مقدار الفقد الطاقي الناتج عن الربط العشوائي والاحمال الكهربائية الزائدة على الشبكة.

استخدمت العديد من المفاهيم المختلفة لنمذجة شبكات الطاقة الذكية. هذه المفاهيم استخدمت لدراسة الشبكات الذكية في إطار نظم معقدة تشمل دراسة تأثير عملية التحكم الإلكتروني، والبيئة، ومدى الإدراك البشري، ونظرية المعلومات، والفيزياء الدقيقة، وغيرها الكثير. ولكني هنا سأستعرض ببساطة مفهوم الشبكات الذكية كما هو في الرسم التوضيحي في الأسفل.

تقليديا تتكون أي منظومة كهربائية من ثلاث ركائز أساسية هي محطة توليد الكهرباء، مناطق استهلاك الكهرباء وشبكة الربط الكهربائي بينهما ولكن الشبكات الذكية ستستخدم وحدة معالجة مركزية مجهزة بوحدة معالجة الكترونية ذات سرعة فائقة في تحليل البيانات ومعرفة أماكن العجز أو الفائض الطاقي ومن ثم إعادة توزيع الأحمال تباعا لتضمن وصول الكهرباء بسلاسة ودون فقد طاقي.

برزت الحاجة الملحة لهذه الشبكات مع التطور المتسارع في استخدامات الطاقة البديلة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح حيث تخضع هذه الأنواع من الطاقة غالباً للتغيرات المناخية. فعلى سبيل المثال إذا كانت حاجتي من الطاقة للمنزل هي 2 كيلووات ساعة ومنظومتي الشمسية فوق سطح المنزل تنتج 3 كيلو وات ساعة فإني أفقد كل ساعة حوالي 1 كيلو وات ولكن إذا ما كان منزلي مرتبط بشبكة ذكية فإنها ستقوم بسحب الفائض وتصديره إلى منزل آخر بحاجة إليه أو خزنه في بطاريات كبيرة لاستخدامه ليلا عند عدم توفر الاشعاع الشمسي وكذلك الحال لطاقة الرياح عند هبوبها بسرعة أو توقفها تماماً.

تكمن المشكلة الرئيسية في عملية تخزين الطاقة وهي مشكلة واجهت دولا مثل المانيا عندما أصبحت الطاقة المولدة من توربينات الرياح والطاقة الشمسية أكبر من أن تستوعب أو تستهلك في الشبكة المحلية ناهيك أن مثل هذا الفائض مدفوع ثمنه كدعم من الحكومة لملاك محطات الطاقة البديلة كتشجيع لحماية البيئة. أصبح الآن المستهلك في هذه الدول ليس من النوع التقليدي فمنزله وحديقته أصبحا يولدان الطاقة الكهربائية وأضحى مشاركا في عملية إنتاج الطاقة مما جعله يهتم أكثر بترشيد استهلاكه وتوسيع معرفته الاقتصادية المرتبطة بالطاقة.

الطاقة الشمسية

إن مفهوم الطاقة الشمسية واسع فمن استخداماتها، توليد الكهرباء عبر التسخين الحراري وتحويل الطاقة الحركية إلى كهرباء، تسخين المياه حراريا واستخدام الخلايا الشمسية في تحويل الضوء إلى كهرباء. في هذه الورقة سأناقش الجزء الأخير وهو المتعلق بالخلايا الشمسية وسأحاول شرحها ببساطة ليتسنى للقارئ العادي تكوين فكرة ولو مبسطة عن هذه الطاقة.

عالميا بلغت قدرة الإنتاج لألواح الطاقة الشمسية حوالي 120 جيجا وات سنويا في أواخر 2019 وبإجمالي من الانشاءات تراكميا فإننا قد تعدينا مرحلة الاسهام بما يقارب 600 جيجا وات من الطاقة الشمسية. ولكي نعرق ماهية الطاقة الشمسية، سنقوم هنا بشرح بسيط عن طريقة صناعتها.

الخلايا الشمسية ببساطة عباره عن مولد للتيار الكهربائي باستخدام ضوء الشمس. تقوم الخلايا الشمسية بتحويل الضوء الساقط عليها إلى الكترونات يتم فصلها في الخلية الشمسية وتصديرها إلى الحمل المتصل بها سواء كان هذا الحمل عبارة عن جهاز كهربائي أو بطارية قابلة للشحن. تتعدد أنواع الخلايا الشمسية حسب نوعية المادة المستخدمة في التصنيع والتي تتحكم بمقدار كفاءة التحويل الطاقي.

تصنع الخلايا الشمسية غالبا من مادة السيلكون المستخرج من صخور أو رمال السيليكا النقية حيث نقوم بصهر هذه الصخور في أفران خاصة لإنتاج السيلكون الخام بنقاوة تتجاوز 95% ومن ثم معالجته كيمائياً لتصل نقاوته إلى 99,9999999% بحيث يتم استخدامه لإنتاج بلورات السيلكون عالية النقاوة والتي تستخدم في المعالجات والاكتونيات الدقيقة أو بنقاوة أقل نسبيا ليستخدم في تصنيع الخلايا الشمسية.

يطلق على الخلايا المجتمعة معا بلوح الطاقة الشمسية وتجمع هذه الألواح بطريقة مشابهة لنحصل على مصفوفة من الألواح الشمسية والتي نقوم بربطها بشبكة الكهرباء الاعتيادية بعد أن نقوم بتحويل التيار المباشر إلى تيار متردد باستخدام محولات خاصة لهذه العملية.

صفوف على التوالي لزيادة فرق الجهد أو على التوازي لزيادة التيار في عملية مشابهة نسبيا لطريقة استخدام البطاريات العادية ولذلك يحلو للبعض تسميتها بالبطاريات الشمسية.

مصدر المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى