الحوكمة الإلكترونية فـي عــــصر التقـــــــــنية

يشير مفهوم الحوكمة إلى الطريقة التي يتم من خلالها إدارة أعمال المنظمة من النواحي الإدارية والمالية، أما نظام الحوكمة فهو مجموعة القواعد والمبادئ والسياسات والإجراءات والبنى الإدارية التي تنظم عمل المنظمة وتفعيل دورها الريادي، ومهمة بناء نظام الحوكمة الرشيدة هي من مهام مجلس الإدارة والذي يشرف بشكل مباشر على فريق إداري وموظفين يقدمون الخدمات للمستفيدين ويسهلون إسهامات للمساهمين والداعمين والعاملين لتعظيم دورهم في المنظمة بما يعود على المستفيدين والمجتمع بأفضل النتائج.

م. عبدالملك مهدي
نائب المدير التنفيذي – شركة إبداع سوفت

تدرك الحكومات، الآن وأكثر من أي وقت مضى، ماذا تعني الحوكمة الإلكترونية، وما هي أهمية وفوائد تطبيقها خاصة بعدما حوّل الإنترنت وأجهزة الكمبيوتر الشخصية والهواتف المحمولة حياتنا إلى الأبد، فإذا كانت التقنية قد غزت حياتنا دفعة واحدة، وأمست مفروضة علينا فرضًا، فلمَ لا نعمل على الاستفادة منها؟ تلك هي النقطة التي تدفعنا إلى الحديث عن فوائد الحوكمة الإلكترونية.

مفهوم الحوكمة الإلكترونية

ويُعرّف البنك الدولي الحكومة الإلكترونية بأنها استخدام تكنولوجيا المعلومات من قِبل الوكالات الحكومية المسؤولة عن تحويل المعلومات بين الأفراد والشركات وجميع أصحاب المصلحة الحكوميين الآخرين.
ولدى الحكومة الإلكترونية مجموعة واسعة من الأهداف، بما في ذلك تقديم أفضل للخدمات العامة للأفراد، وتعزيز التعاون التجاري والصناعي، وتمكين المواطنين؛ من خلال الوصول إلى المعلومات، أو حوكمة أكثر فعالية.

فوائد الحوكمة الإلكترونية

إن أحد أبرز فوائد الحوكمة الإلكترونية أنها تسرّع إنجاز المهام؛ حيث أتاحت الهواتف الذكية والخدمات عبر الإنترنت إمكانية النقل الفوري لكميات كبيرة من البيانات في جميع أنحاء العالم، وهو الأمر الذي يعني أنه من الممكن أن تعمل الحوكمة الإلكترونية على تسريع إنجاز الخدمات، وهي تُمكّن الشركات والأفراد أيضًا من الحصول على المعلومات بشكل أسرع وفي أي لحظة من اليوم مقارنة بالماضي.

كما تسهم الحوكمة الإلكترونية في تقليل النفقات؛ إذ تستهلك الرسائل والسجلات المكتوبة وطريقة إنجاز الأشياء بالطريقة التقليدية الكثير من الوقت والجهد وإهدار الكثير من الأموال كذلك.

ومن ثم فإن استبدال هذه الطرق التقليدية، واستخدام الهواتف الذكية والإنترنت يمكن أن يوفرا الكثير من الجهد والمال، وتلك واحدة من أبرز فوائد الحوكمة الإلكترونية.

وتعتبر الشفافية من الفوائد الأساسية في مجال الحوكمة – شرط أن نشيح بأبصارنا عن تحليل بيونغ تشول هان في كتابه «مجتمع الشفافية» لهذا المفهوم – إحدى أهم فوائد الحوكمة الإلكترونية؛ التي تسهم في جعل جميع وظائف الأعمال شفافة، فهي تتيح للمتعاملين الاطلاع على جميع المعلومات التي يريدونها لضمان سير معاملاتهم بالطرق القانونية السليمة، وقتما يريدون، بنقرة أو بلمسة إصبع، وبهذا فإن تطبيق الحكومة الإلكترونية يؤدي تأكيداً إلى تعزيز الاتصالات الأفضل بين الحكومة وقطاع الأعمال، وتلك مزية يستفيد منها رواد الأعمال والشركات الناشئة على نحو الخصوص؛ إذ يمكنها أن تتواصل بفعالية وتنافس تلك الشركات الكبرى الموجودة في السوق؛ من أجل الحصول على صفقة ما.

الأمر الذي يعني أن إحدى فوائد الحوكمة الإلكترونية تقليل الاحتكار وإتاحة مساحة للجميع، كما أنها تعمل، وفي الوقت ذاته، على صنع سوق مفتوح وشفاف واقتصاد أقوى، وبهذا فإنها تساعد في تعزيز بناء الثقة بين الحكومات والمواطنين، فتكون العامل الأساسي في الحوكمة الرشيدة، بسعيها إلى استخدام الاستراتيجيات القائمة على الإنترنت؛ لإشراك المواطنين بشكل عام.

ومن إسهامات الحوكمة الإلكترونية رفع الكفاءة التشغيلية بشكل عام؛ فمن خلال استخدام التقنيات الحديثة يمكن أداء المهام وتقديم الخدمات بشكل أسرع وأكثر كفاءة، ناهيك عن أنها ستوفر الكثير من الوقت والجهد؛ ما يتيح توجيههما (الوقت والجهد) إلى مهام أخرى أكثر نفعًا وفائدة.

فإذا قررنا أن الشفافية هي إحدى فوائد الحوكمة الإلكترونية فمن المؤكد أن ذلك سيقودنا إلى المساءلة؛ لأنها أهم أدوات الشفافية وهي تعني أن تكون هناك مساءلة للحكومات في حالة ارتكابها خطأ ما، ولك أن تتخيل كيف أن الحوكمة الإلكترونية تعمل، وإن بشكل غير مباشر، على تحسين الأداء، فشعور الحكومة بأنها موضوعة تحت نظر المجتمع سيدفعها إلى تحسين الأداء بشكل مضطر، وهي لا تفعل ذلك مرغمة، بل بكل رغبة وقناعة، لأنها نفسها التي أتاحت فرصة الحصول على المعلومات للمواطنين أملًا في إعلامهم بكل شيء، ومنحهم الفرصة للاستدراك والمعرفة والاطلاع على سير أعمال الحوكمة بكل شفافية ووضوح.

ولا يجمل بنا الحديث عن فوائد الحوكمة الإلكترونية من دون التطرق إلى تقليل الفساد إن لم يكن القضاء عليه؛ فإذا كنا نتعامل مع آلات صماء، وفي عصر رقمي أكثر ما يميزه هيمنة الرؤية، وكون كل شيء متاحًا ومعروفًا لدى الجميع، فهذا معناه أنه لم يعد للفساد فرصة ليعثر لنفسه على موطئ قدم.

أما بالنسبة للشركات والمؤسسات التجارية والخدمية فإن تطبيق مبادئ الحوكمة الرشيدة يزيد من ثقة المجتمع بالشركات خصوصاً الخدمية منها ويساعدها في الحصول على المزيد من الخدمات وفي اجتذاب عدد أكبر من الموظفين الشغوفين والموهوبين، وبالتالي تحقيق أهدافها الاجتماعية بشكل أوسع.

كما يمكن للشركات استخدام مجموعة من الأدوات التقنية لتقوية نظام الحوكمة لديها، ومن أمثلة هذه الأدوات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لعرض معلومات حديثة ودقيقة وجذابة عن مشاريعها وأعمالها وأيضاً تفاصيل خدماتها والمبادئ التي تعتمد عليها لمعالجة المشاكل الإنتاجية والخدمية المستهدفة وتحقيق مستوى النجاح الذي تبتغيه والغايات والنتائج التي تطمح إليها، وكذلك فتح باب النقاش وسماع الآراء والأفكار الجديدة والانتقادات، مستخدمة الكلمة والصورة والأفلام القصيرة.

كما أن استخدام نظم إدارة موارد الشركة البرمجية وقواعد البيانات مثل أنظمة المحاسبة وإدارة الزبائن والمستفيدين يمكّن الشركات من تقديم معلومات دقيقة وآنية عن خدماتها، كما يمكن ربط هذه الأنظمة مع واجهات على موقع الشركة تظهر فيه لوحات تحكم بمعلومات ملخصة ودقيقة ومحدثة لحظة بلحظة مثل أهداف التمويل الحالية وعدد المستفيدين وعدد مرات تقديم الخدمة ومميزاتها، كما يمكن أن يستفاد من موقع الشركة على الإنترنت ليحوي الأرشيف الكامل لنشاط الشركة والتفاصيل المالية والإدارية الخاصة بها، ويمكن أيضاً أرشفة وتلخيص النقاشات التي تجري على وسائل التواصل الاجتماعي وفي المناسبات والمنتديات التي يمكن أن تقيمها أو تشارك فيها الشركة والخطوات التي اتخذتها الشركة للاستجابة لها ولمعالجتها، كل ذلك على موقعها على الإنترنت بحيث يسهل العودة إليها، موضحة في صور وإنفوغرافيك وغيرها من العروض التقديمية والأفلام التوضيحية، كما يمكن الاستفادة من تلك المعلومات في البحوث الاجتماعية وتطوير المنتجات وفق احتياجات المستخدمين.

كما يمكن أن تنشر الشركة أيضاً رؤيتها وأهدافها ومشاريعها المستقبلية وبُناها الإدارية وكيفية الحصول على الخدمات وشروطها والأقسام المكلفة بتقديمها والقيام بالاستفتاءات والتصويتات على الإنترنت وفي المنتديات والتجمعات والمعارض مستخدمة الشاشات الذكية والألعاب التفاعلية والواقع الافتراضي وغير ذلك من أساليب الإفصاح والمشاركة.

وبذلك نجد أن التقنيات الحديثة قد وفرت للحكومات والمؤسسات والشركات التجارية طرقاً عديدة لإظهار وتطوير نظام الحوكمة لديها وتطبيق مبادئ الإفصاح والشفافية والمساءلة والمشاركة والمحاسبة من خلال الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي والبرمجيات الإدارية ومواقع الويب على الإنترنت وأثناء الاجتماعات والمنتديات والمعارض بأفضل ما يمكن، بحيث تكون جزءاً عضوياً من المجتمع الذي تخدمه ولكي تظهر احترامها للناس وتكسب احترامهم وثقتهم.

لكن السير في مسار الحوكمة الإلكترونية -والحق يقال- ليس مسارًا سهلًا ولا ميسورًا، وإنما هو قرار جذري يستلزم القدرة على إحداث ثورة تحويلية جذرية، ومخالفة المألوف بعيداً عن المُتعارف عليه كلياً ويحتاج إلى استعدادات كبيرة لمواجهة مقاومة التغيير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى