الاستثمار الرقمي ودوره في النهوض بالاقتصاد الوطني

مع ظهور مفهوم التحول الرقمي، بدأت العديد من الحكومات وخصوصاً العربية في التحرك نحو رسم خارطة طريق للاقتصاد الرقمي والذي سيغير كثيراً من أنماط الحياة العامة وطرق المعاملات اليومية، حيث أصبح الاقتصاد الرقمي جزءاً لا يتجزأ من منظومة الاقتصاد العالمي كونه مرتبط بالتطور التكنولوجي السريع.

م/ محمد علي قطران

ويشهد السوق الرقمي انتعاشاً ملحوظاً في مجالات الاستثمار حيث يعتبر إجمالي قيمة السوق العالمي حوالي 20 تريليون دولار، مقارنة بما كان عليه في بداية العام 2000م والذي تم تقديره آنذاك بحوالي 300 مليار دولار، ويشير تقرير مؤسسة IDC إلى أن إجمالي حجم الاستثمار المباشر في التحول الرقمي عالميًا سوف يصل إلى 6.8 تريليون دولار بين عامي 2020 و2023، وذلك بمعدل نمو سنوي 15.5%. كما أصبح مفهوم الرقمنة حاضراً في كافة خطط التنمية خلال الفترة الحالية، حيث يتحول العالم إلى العصر الرقمي في ظل الثورة الصناعية الرابعة التي تعيد تشكيل طريقة الحياة في المستقبل، وفي ظل الآثار الإيجابية التي تتيحها الثورة الصناعية الرابعة فقد أصبحت تتيح فرصاً كبيرة لتحقيق مزيد من التوسع في جهود التحول الرقمي عالمياً.

وفي الوقت الراهن وبعد إجراء المزيد من البحث والتنقيب في أساليب ومجالات الاستثمار العالمية، نلاحظ التطور في وسائل الاستثمار، من الطرق التقليدية إلى الطرق الرقمية، مما دفع لإيجاد طرق نقد رقمية تسهل عمليات الاستثمار وهو ما سمح للاستثمار الرقمي باحتواء الجسر المالي من تمويل الاستثمارات الرقمية إلى الأرباح المترتبة عليها، كما أصبح من المهم إيجاد حلول مرنة تجعل الاستثمارات أكثر اتزاناً لمواجهة التحول الرقمي وخصوصاً في ظل معدلات التضخم التي تواجه الاقتصاد العالمي في الآونة الأخيرة.

كما أن تكلفة الاستثمار في الاقتصاد الرقمي تعتبر بسيطة مقارنة بالاقتصاد التقليدي، ويمكن القول بأن الاستثمار في الاقتصاد الرقمي هو المستقبل الذي سيحقق أرباح طائلة وفي وقت قصير جداً مقارنة بالاقتصاد التقليدي، شريطة اختيار المشروع الرقمي المناسب والطريقة المناسبة للتمويل والاستفادة من العائد الربحي عن الاستثمار الذي يتطلب دقة ومتابعة لإيجاد الحلول الاستثمارية المناسبة عبر إنشاء محفظة رقمية تحقق التوازن البيئي لمواكبة رقمنة الاستثمارات.

مدخل إلى الاقتصاد الرقمي

يعتبر الاقتصاد الرقمي اقتصاد جديد ظهر مع بداية ثورة الإنترنت وتطور مع مرور الوقت بالتزامن مع التطور التكنولوجي المذهل خصوصاً في السنوات الأخيرة، حيث يطلق عليه اقتصاد الويب في التعاملات الرقمية بجميع أشكالها عبر الإنترنت والتعامل مع تلك المعلومات وحفظ المعلومات وبث المعلومات ونقل البيانات عبر شبكة رقمية معقدة جداً مرتبطة بملايين الحواسيب الشخصية والمؤسسية عبر العالم، والزبائن أصبحوا زبائن رقميين حيث يكون لكل زبون كود رقمي (حساب خاص به)، وكذلك جميع الشركات الكبيرة غالباً ما يكون لديها ملفات رقمية ومعلومات عن كل زبون، كما ظهرت الشركات الرقمية المعتمدة على تطبيقات أنظمة أندرويد وآبل الشهيرة وغيرت تلك التطبيقات الرقمية حياة الناس فعلياً.

لقد أصبح هناك ترابط بين تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من جهة والاقتصاد القومي والمحلي من جهة أخرى، وبالتالي يؤدي هذا الترابط التكنولوجي الرقمي إلى ربط القرارات الاقتصادية القومية والمحلية، كما أن الاقتصاد الرقمي يعتبر لاعب مهم في حياة الناس عامةً ولاعب مهم جداً لأصحاب الأعمال والمستثمرين وحتى أصحاب الأعمال التجارية التقليدية والحكومات، وقد ظهر جلياً اهتمامهم البالغ بالتحول الرقمي ومواكبة التقدم التقني المذهل في ثورة الرقمنة الاقتصادية لأنهم إذا لم يواكبوا هذه التطورات السريعة جداً فجميعهم سيذهبون أدراج الرياح ويتعرضون للانقراض.

كما أن الاقتصاد الرقمي صار وجوده ضروري ولا يمكن الاستغناء عنه لأنه يرتبط مع العديد من أشكال التجارة الإلكترونية مثل مواقع التجارة الإلكترونية والمنصات الرقمية، حيث يستطيع المستخدم العادي الوصول إلى جميع تلك المواقع أينما كان وجوده في أي مكان، وبالتالي فقد أصبح هناك منافسة قوية مع المتاجر التقليدية التي ربما ينخفض الإقبال عليها في السنوات القليلة القادمة وذلك نظراً لإقبال الناس وموافقتهم التامة على التحول الرقمي، حيث سهلت تطبيقات الهواتف الذكية مثل أندرويد وآبل حياة الناس بطلب أي منتج ببضع نقرات ويصل المنتج إلى أي مكان يختاره الزبون، فلماذا يذهب الزبون إلى المحل ومعه في يده هاتفه الذكي يطلب من خلاله ما يشاء من المنتجات والخدمات.

الاستثمار في الاقتصاد الرقمي

لقد صاحب ظهور مفهوم الاقتصاد الرقمي ما يسمى بالاستثمار الرقمي، والذي أصبح متمثلاً في الكثير من فروع وطرق ربح العائد من استثمار المال عبر الإنترنت، ومثال ذلك واضحاً في مليارات الدولارات في أسواق التداول الرقمي فهناك منصات التداول في السلع الأولية مثل النفط، وأيضاً المعادن مثل الذهب والفضة والألماس وتداول العملات الدولية إلكترونياً وتحقيق أرباح مالية طائلة من ذلك، وهذا يعكس قوة الاستثمار الرقمي وسهولة وصول الناس إليه من خلال تطبيقات بسيطة وفتح حسابات تجريبية وتحويل الأموال إلكترونياً عن طريق البنوك الإلكترونية في ثواني معدودة.

كما أن ظهور تقنيات الجيل الرابع من الإنترنت الرقمي في السنوات العشر الأخيرة والتي يطلق عليها إنترنت الأشياء وتكنولوجيا البلوكتشين صار تأثيره واضحاً وجلياً، حيث بدأت معظم التطبيقات تتكامل مع هذه التكنولوجيا الحديثة، كما بدأت بعض الحكومات في تقنين تلك المعاملات لتصبح تحت الرقابة المركزية وهذا الأمر حتمي حتى لا يحدث غش وخداع وأيضاً لمكافحة عمليات غسيل الأموال، وهناك بعض الدول اعترفت بها قانونياً ودول أخرى لم تعترف بها حتى الآن، وبالتالي فإن السنوات القادمة هي التي ستثبت ما سيحدث في المستقبل مع هذه التقنيات وخصوصاً تكنولوجيا البلوكتشين.

التحديات التي تواجه الاستثمار الرقمي

تواجه المؤسسات والقطاعات المختلفة، عدداً من العقبات في سعيها نحو توسيع نطاق الحلول التقنية، لكن العديد من أبرز هذه التحديات ليس تقنياً كما يبدو، حيث أن اتخاذ إجراءات مباشرة للتعامل مع هذه القضايا أمر بالغ الأهمية بالنسبة لعمليات التحوّل الرقمي في المؤسسات والقطاعات المختلفة، سواء كان ذلك عبر إزالة الحواجز الداخلية بين أقسام المؤسسة، أو محاولة سدّ النقص الحاصل في الموارد والكفاءات التقنية، وإذا لم تتم معالجة هذه التحديات، فإن برامج الحكومة الرقمية تبقى معرّضة لخسارة التمويل المستدام، وبالطبع عدم قدرة المؤسسة على الاستفادة من المزايا المنتظرة من هذه الحلول الرقمية، وبحسب استبيان أجرته مؤسسة جارتنر مؤخراً، فإنه يوجد هناك عدد من التحديات التي تواجه المؤسسات والقطاعات المختلفة ومنها ما يلي:

  • كسر حواجز الاتصال الداخلية في المؤسسات.
  • ثقافة تجنّب المخاطر.
  • التمويل غير الكافي.
  • نقص الكفاءات الرقمية.
  • الافتقار لموارد الأعمال التقنية.

وخلاصة القول أن الثقافة هي المفتاح الرئيسي للتحول الرقمي وليس التكنولوجيا، وقد تكون بناء ثقافة رقمية أصعب مسألة تواجهها المؤسسات والقطاعات المختلفة، لأننا نعيش اليوم في عصر الاضطرابات الرقمية، حيث لا توجد أي مؤسسة محصنة ضد هذه الاضطرابات، مما يعنى أن القادة الذين يعتقدون أن عليهم التروي والـتأني عند التفكير في البدء بعمليات الرقمنة لأنهم هم من يجب أن يفكروا مرة أخرى، ففي الوقت الذي يتحركون فيه بحذر وبطء شديدين، هناك الكثير من المنافسين الذين يتحركون بسرعة كبيرة.

ومع ذلك لا تستطيع المؤسسات تحمل بعثرة الموارد على عجل في الاستراتيجيات التي لن تنجح، فما الذي يجب أن تقوم به المؤسسة؟

إن الإسراع قد يؤدي إلى الفشل وكذلك التأخر قد يؤدي إلى البقاء خلف الآخرين، وعند الوصول بالتفكير إلى هذه النقطة فإن إطار عائد الاستثمار الرقمي هو الوجهة المقصودة للتفكير الاستشرافي.

وللحديث بقية ودمتم سالمين،،،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى